فصل: بَابُ التَّعْزِيرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.بَابُ التَّعْزِيرِ:

(وَهُوَ) لُغَةً الْمَنْعُ، وَاصْطِلَاحًا (التَّأْدِيبُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي الْقَبِيحِ. وَعَزَّرْتُهُ بِمَعْنَى نَصَرْتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ عَدُوَّهُ مِنْ أَذَاهُ. وَقَالَ السَّعْدِيُّ: يُقَالُ عَزَّرْتُهُ وَقَّرْتُهُ، وَأَيْضًا أَدَّبْتُهُ، وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَهُوَ طَرِيقٌ إلَى التَّوْقِيرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ بِهِ وَصُرِفَ عَنْ الدَّنَاءَةِ؛ حَصَلَ لَهُ الْوَقَارُ وَالنَّزَاهَةُ. (وَيَجِبُ) التَّعْزِيرُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ؛ نَصَّ عَلَيْهِ فِي سَبِّ صَحَابِيٍّ، وَكَحَدٍّ وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ (فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ) خَرَجَ بِهِ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَشِبْهُ الْعَمْدِ. (وَيَتَّجِهُ لَا يُعَزِّرُ حَاكِمٌ مَنْ)؛ أَيْ: شَخْصًا (قَلَّدَ غَيْرَ مَذْهَبِهِ فِيمَا) أَيْ: فَعَلَ (لَا يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمٌ) كَمَا لَوْ قَلَّدَ حَنْبَلِيٌّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ؛ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ أَنْ يُعَزِّرَهُ (لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ) بِتَقْلِيدِهِ إمَامًا يَرَى صِحَّةَ ذَلِكَ الْعَقْدَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ الْحَنَفِيُّ؛ وَرُفِعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْحَنْبَلِيِّ؛ لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى (مُعْتَقِدِ حِلِّ) شَيْءٍ فَعَلَهُ (فَأَخْطَأَ) لِظُهُورِ عَدَمِ جَوَازِ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِلشُّبْهَةِ (لَا إنْ) عَزَمَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَ(تَرَدَّدَ) هَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ أَوْ لَا؟ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ (إذْ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ) الْمُتَرَدَّدِ فِيهِ إذَنْ، فَلَوْ فَعَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُهُ؛ لِارْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ وَ) إتْيَانِ (امْرَأَةٍ لِامْرَأَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا) لِفَقْدِ حِرْزٍ وَنَقْصِ نِصَابٍ، وَكَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا (وَكَجِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا) كَصَفْعٍ وَوَكْزٍ وَهُوَ الدَّفْعُ وَالضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ (وَكَقَذْفِ غَيْرِ وَلَدِهِ بِغَيْرِ زِنًا) وَلِوَاطٍ كَقَوْلِهِ: يَا فَاسِقُ وَنَحْوُهُ يَا شَاهِدَ زُورٍ (وَكَلَعْنِهِ، وَلَيْسَ لِمَنْ لَعَنَ رَدُّهَا) عَلَى مَنْ لَعَنَهُ (وَكَدُعَاءٍ عَلَيْهِ وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ)؛ أَيْ: قَذْفٍ، فَإِنْ شَتَمَهُ بِالْفِرْيَةِ؛ حُدَّ (وَكَذَا اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَقَوْلِهِ خَصْمُكُ اللَّهُ، وَكَذَا تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ. (وَفِي الرَّوْضَةِ إذَا زَنَى ابْنُ عَشَرَ وَبِنْتُ تِسْعٍ؛ عُزِّرَا، قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى فِعْلِ)؛ أَيْ: مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلْعَاقِلِ فِعْلُهُ (لِيَنْزَجِرَ) لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ. (وَإِنْ ضَرَبَ صَبِيٌّ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونٌ مَجْنُونًا أَوْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً؛ اُقْتُصَّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زَجْرٌ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، لَكِنْ (لِاشْتِفَاءِ الْمَظْلُومِ) وَأَخْذِ حَقِّهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ يُفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا يَخْلُو عَنْ رَدْعٍ وَزَجْرٍ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ذَلِكَ لِلْعَدْلِ بَيْنَ خَلْقِهِ.
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْقِصَاصُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالشَّجَرِ وَالْعِيدَانِ جَائِزٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ مِثْلِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا (وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا) مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُ (مَا أَوْجَبَ حَدًّا عَلَى مُكَلَّفٍ عُزِّرَ بِهِ الْمُمَيِّزُ كَقَذْفٍ) انْتَهَى (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَعْزِيرَ بِشَتْمِ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ) فَيُعَزَّرُ الْوَلَدُ إذَا شَتَمَ وَالِدَهُ لِحَقِّهِ كَمَا يُحَدُّ لِقَذْفِهِ، وَيُقَادُ بِهِ (لَكِنْ) لَا يُعَزَّرُ الْوَلَدُ بِشَتْمِ وَالِدِهِ إلَّا (بِطَلَبِ وَالِدِهِ) تَعْزِيرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَظَاهِرُ الْمُنْتَهَى خِلَافُهُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْوَالِدِ تَعْزِيرَهُ بِنَفْسِهِ لِلتَّأْدِيبِ، وَلَا يَحْتَاجُ التَّعْزِيرُ إلَى مُطَالَبَةٍ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّأْدِيبِ فَيُقِيمُهُ الْإِمَامُ إذَا رَآهُ. (وَإِنْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ) غَيْرُ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ (عُزِّرَا) وَلَوْ كَانَ جَدًّا وَوَلَدَهُ، أَوْ أُمًّا وَوَلَدَهَا، أَوْ أَخَوَيْنِ (وَقَالَ جَمْعٌ مَنْ شَتَمَ مَنْ شَتَمَهُ، أَوْ دَعَا عَلَى مَنْ دَعَا عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ فَلَا تَعْزِيرَ) لِلتَّعَادُلِ. (وَإِقَامَةُ التَّعْزِيرِ حَقٌّ لِلَّهِ) تَعَالَى (فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطٍ، وَلَا يَحْتَاجُ) فِي إقَامَتِهِ (لِمُطَالَبَةٍ؛) لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّأْدِيبِ (فَيُعَزَّرُ مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا وَلَوْ كَانَ لَهُ وَارِثًا وَلَمْ يُطَالِبْ) بِالتَّعْزِيرِ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَقَدْ سَبَّنِي، وَمَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ» رَوَاهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي» وَلِمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانَ يُقَالُ شَتْمُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِذَا كَانَ شَتْمُهُمْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَأَقَلُّ مَا فِيهِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. وَقَدْ أَجْمَعَ (أَهْلُ) السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالتَّرَحُّمُ عَلَيْهِمْ، وَالتَّرَضِّي عَنْهُمْ، وَاعْتِقَادُ مَحَبَّتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ، وَعُقُوبَةُ مَنْ أَسَاءَ فِيهِمْ الْقَوْلَ. (وَيُعَزَّرُ بِعِشْرِينَ سَوْطًا بِشُرْبِ مُسْكِرٍ نَهَارَ رَمَضَانَ مَعَ الْحَدِّ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ قَدْ شَرِبَ خَمْرًا فِي رَمَضَانَ، فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ الْحَدِّ، وَعِشْرِينَ سَوْطًا؛ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ.
(وَ) يُعَزَّرُ (بِمِائَةِ) سَوْطٍ (بِوَطْءِ أَمَةِ امْرَأَتِهِ الَّتِي أَحَلَّتْهَا لَهُ، وَإِلَّا تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ امْرَأَتُهُ حُدَّ) وَلَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ: «أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُنَيْنٌ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَرُفِعَ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ، فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيكَ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَكَ رَجَمْتُكَ بِالْحِجَارَةِ فَوَجَدَهَا أَحَلَّتْهَا لَهُ فَجَلَدَهُ مِائَةً» (وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ) إنْ وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَلَا شُبْهَةَ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ (فِيهِمَا)؛ أَيْ: فِيمَا إذَا شَرِبَ مُسْكِرًا نَهَارَ رَمَضَانَ، أَوْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ الَّتِي أَحَلَّتْهَا لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فَرْجًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ؛ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَوَطْءِ أَمَةِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ. (وَلَا يَسْقُطُ حَدٌّ بِإِبَاحَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ)؛ أَيْ: مَا إذَا أَحَلَّتْ امْرَأَةٌ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا؛ لِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي (وَ) يُعَزَّرُ (بِمِائَةٍ إلَّا سَوْطًا بِوَطْءِ أَمَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ) نَصًّا؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِي أَمَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا: يُجْلَدُ الْحَدُّ إلَّا سَوْطًا. وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (وَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ) لِلشُّبْهَةِ (وَلَا يُزَادُ فِي جَلْدٍ) تَعْزِيرٌ (عَلَى عَشْرٍ) مِنْ الْأَسْوَاطِ (فِي غَيْرِ مَا مَرَّ)؛ أَيْ إبَاحَةِ الزَّوْجَةِ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا، وَشُرْبِ مُسْكِرٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلِلْحَاكِمِ نَقْصُهُ)؛ أَيْ: التَّعْزِيرِ (عَنْ عَشْرِ) جَلَدَاتٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدَّرَ أَكْثَرَهُ، وَلَمْ يُقَدِّرْ أَقَلَّهُ؛ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَيُشْهَرُ لِمَصْلَحَةٍ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي شَاهِدِ زُورٍ. (وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالصَّفْعِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْعَزْلِ عَنْ الْوِلَايَةِ، وَبِإِقَامَةٍ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَبِالنِّيلِ مِنْ عِرْضِهِ كَ) قَوْلِ: الْحَاكِمِ لَهُ (يَا ظَالِمُ يَا مُعْتَدِي) حَسْبَمَا يَرَاهُ. وَقَالَ فِي: الِاخْتِيَارَات إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْفَسَادِ، وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ قُتِلَ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ جِنْسُ الْفَسَادِ وَلَمْ يَرْتَدِعْ بِالْحُدُودِ الْمُقَدَّرَةِ، بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْفَسَادِ؛ فَهُوَ كَالصَّائِلِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ؛ فَيُقْتَلُ. (وَلَا بَأْسَ بِتَسْوِيدِ وَجْهِهِ، وَنِدَاءٍ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ، وَيُطَافُ بِهِ مَعَ ضَرْبِهِ، وَيَجُوزُ صَلْبُهُ) حَيًّا (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ، وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يُعِيدُ) وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْعَفْوَ عَنْهُ جَازَ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: مَا كَانَ مِنْ التَّعْزِيرِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ كَوَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ؛ يَجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ وَرَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَجَبَ كَالْحُدُودِ، وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ جَازَ لِلْأَخْبَارِ، وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَطَلَبَهُ؛ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ. (وَحُرِّمَ تَعْزِيرٌ بِحَلْقِ لِحْيَةٍ وَقَطْع طَرَفٍ وَجُرْحٍ) لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ (وَكَذَا) يَحْرُمُ تَعْزِيرٌ (بِأَخْذِ مَالٍ أَوْ إتْلَافِهِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ أَدَبُهُ وَالْأَدَبُ لَا يَكُونُ بِالْإِتْلَافِ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ؛ فَإِنَّ عِنْدَهُ التَّعْزِيرَ بِالْمَالِ سَائِغٌ إتْلَافًا وَأَخْذًا. (وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ) أُدِّبَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِهِمْ فِي قَصْدِ كَنَائِسِهِمْ لِقُصَّادِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ (أَوْ لَعَنَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ أُدِّبَ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ (أَدَبًا خَفِيفًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ إلَّا إنْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِيمَنْ اتَّخَذَ الطَّوَافَ بِالصَّخْرَةِ دِينًا أَوْ قَالَ: أَنْذِرُوا لِي لِتُقْضَى حَاجَتُكُمْ) وَاسْتُغِيثُوا بِي إنْ أَصَرَّ، وَلَمْ يَتُبْ قُتِلَ، (وَكَذَا مَنْ تَكَرَّرَ شُرْبُهُ الْخَمْرَ مَا لَمْ يَنْتَهِ بِدُونِهِ)؛ أَيْ: الْقَتْلِ. (وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جَاسُوسٍ لِلْكُفَّارِ، وَفِي الْفُنُونِ لِابْنِ عَقِيلٍ: لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا، وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ) انْتَهَى.
(وَمَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ) وَأَذَى مَا لَهُمْ (حَتَّى بِعَيْنِهِ حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ يَتُوبَ) قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّة: لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي (وَنَفَقَتُهُ) مُدَّةَ حَبْسِهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مَعَ عَجْزِهِ؛ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ، وَقَالَ (الْمُنَقِّحُ لَا يُبْعَدُ أَنْ يُقْتَلَ الْعَائِنُ إذَا كَانَ يَقْتُلُ بِعَيْنِهِ غَالِبًا، وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ فَيَغْرَمُهُ) انْتَهَى (قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَقَعَ الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ قَصْدِهِ؛ فَيُتَوَجَّهُ عَدَمُ الضَّمَانِ؛) لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِالْعَيْنِ نَادِرٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْقَصْدُ (وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ) فِي شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: (لَا يُقْتَلُ الْعَائِنُ بِالسَّيْفِ) إنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، بَلْ غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَإِنْ عَمَدَ بِهِ ذَلِكَ، وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلَ بِهِ سَاغَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ (بِالْعَيْنِ)؛ أَيْ: فَيُعَيِّنُهُ إنْ شَاءَ كَمَا عَانَ هُوَ الْمَقْتُولَ، فَيَقْتُلُهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَلَا هُوَ مُمَاثِلٌ لِجِنَايَتِهِ (وَكَذَا) قَالَ: سَأَلْتُ شَيْخَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ (مَنْ يُقْتَلُ بِالْحَالِ فَ) قَالَ (لِوَلِيِّهِ)؛ أَيْ: الْمَقْتُولِ (قَتْلُهُ بِالْحَالِ) كَمَا قَتَلَ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقَتْلِ بِالسِّحْرِ؟ قُلْنَا: الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا: أَنَّ السَّحَرَ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا كَثِيرٌ فِي السِّحْرِ، وَفِيهِ مَقَالَاتٌ وَأَبْوَابٌ مَعْرُوفَةٌ لِلْقَتْلِ عِنْدَ أَرْبَابِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ؛ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّهِ؛ فَهُوَ كَمَا (لَوْ) قَتَلَهُ بِاللِّوَاطِ وَتَجْرِيعِ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالسَّيْفِ انْتَهَى.
(وَمَنْ اسْتَمْنَى مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؛ حَرُمَ) فِعْلُهُ ذَلِكَ (وَعُزِّرَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ (وَ) إنْ فَعَلَهُ (خَوْفًا) عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ (أَوْ) خَوْفًا (عَلَى بَدَنِهِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ يَسْتَغْنُوا بِهِ (فَلَا يُبَاحُ) الِاسْتِمْنَاءُ (إلَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نِكَاحٍ، وَلَوْ أَمَةً) لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ، وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِذَلِكَ، وَقِيَاسُهُ الْمَرْأَةُ؛ فَلَا يُبَاحُ لَهَا (إلَّا) إذَا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدٌ فِي نِكَاحِهَا (وَلَهُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ) الْمُبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ كَتَقْبِيلِهَا (وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى جِمَاعٍ، وَلَيْسَ مَنْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا؛ حَرُمَ الْوَطْءُ) بِخِلَافِ أَكْلِهِ فِي الْمَخْمَصَةِ مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ، فَإِبَاحَةُ الْفَرْجِ بِالْعَقْدِ دُونَ الضَّرُورَةِ، وَإِبَاحَتُهُ الْمَيْتَةَ بِالضَّرُورَةِ دُونَ الْعَقْدِ. (فُرُوعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْجَذْمَاءِ مُخَالَطَةُ الْأَصِحَّاءِ عُمُومًا، وَلَا مُخَالَطَةُ صَحِيحٍ مُعَيَّنٍ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَعَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إلْزَامُهُمْ بِذَلِكَ بِأَنْ يَسْكُنُوا فِي مَكَان مُنْفَرِدٍ لَهُمْ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَوْ الْمَجْذُومُ مِنْ ذَلِكَ؛ أَثِمَ، وَإِذَا أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ؛ فَسَقَ) قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَقَالَ كَمَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ كَمَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ (وَالْقَوَّادَةُ: الَّتِي تُفْسِدُ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ تُعَزَّرُ بَلِيغًا وَيَنْبَغِي شُهْرَةُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَسْتَفِيضُ فِي النَّاسِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: لِوَلِيِّ الْأَمْرِ صَرْفُ ضَرَرِهَا إمَّا بِحَبْسِهَا أَوْ بِنَقْلِهَا عَنْ الْجِيرَانِ) دَفْعًا لِمَفْسَدَتِهَا.
(وَقَالَ: سُكْنَى الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَعَكْسُهُ)؛ أَيْ: سُكْنَى الرَّجُلِ بَيْنَ النِّسَاءِ (يُمْنَعُ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى (وَمَنَعَ الْإِمَامُ عُمَرُ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (الْعَزَبَ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُتَأَهِّلِينَ وَعَكْسَهُ)؛ أَيْ تَسْكُنَ الْمَرْأَةُ الْأَيِّمُ بَيْنَ الْمُتَأَهِّلِينَ، (وَنَفَى) الْإِمَامُ عُمَرُ (شَابًّا) جَمِيلَ الْوَجْهِ ارْتَابَ مِنْهُ وَ(خَافَ الْفِتْنَةَ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ) لِتَشَبُّبِ النِّسَاءِ بِهِ، «وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْيِ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الْبُيُوتِ».
(وَقَالَ) الشَّيْخُ أَيْضًا (يُعَزَّرُ مَنْ يَمْسِكُ الْحَيَّةَ) لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَجِنَايَةٌ، وَتَقَدَّمَ لَوْ قَتَلَتْ مُمْسِكًا مِمَّنْ يَدَّعِي مَشْيَخَةً وَنَحْوَهُ فَقَاتِلٌ نَفْسَهُ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَيُعَزَّرُ مَنْ (يَدْخُلُ النَّارَ وَنَحْوَهُ) مِمَّنْ يَعْمَلُ الشَّعْبَذَةَ وَنَحْوَهَا. (وَكَذَا) يُعَزَّرُ (مَنْ تَنَقَّصَ مُسْلِمًا بِكَوْنِهِ مَسْلَمَانِيًّا مَعَ حُسْنِ إسْلَامِهِ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً بِإِيذَائِهِ.
تَتِمَّةٌ:
إذَا كَانَ ذَنْبُ الظَّالِمِ إفْسَادُ دِينِ الْمَظْلُومِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِ دِينَهُ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ بِمَا يُفْسِدُ بِهِ دِينَهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، وَكَذَا لَوْ افْتَرَى إنْسَانٌ عَلَيْهِ الْكَذِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ (لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَلَيْهِ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ الْكَذِبَ نَظِيرَ مَا افْتَرَاهُ) وَإِنْ كَانَ هَذَا الِافْتِرَاءُ مُحَرَّمًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ إذَا عَاقَبَهُ بِمَا يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ؛ لَمْ يَقْبُحْ مِنْهُ سُبْحَانُهُ وَلَا ظُلْمَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَفْعَلُ فِي مِلْكِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمَخْلُوقٍ مِنْ وَكِيلٍ وَوَالٍ وَغَيْرِهِمَا فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الدُّعَاءُ قِصَاصٌ، فَمَنْ دَعَا فَمَا صَبَرَ؛ أَيْ: فَقَدْ انْتَصَرَ لِنَفْسِهِ {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

.بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ:

وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» إلَى غَيْرِهِ مِنْ النُّصُوصِ. (وَشُرُوطُهُ)؛ أَيْ: الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ (ثَمَانِيَةٌ:). (أَحَدُهَا: السَّرِقَةُ) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ السَّرِقَةُ لَمْ يَكُنْ الْفَاعِلُ سَارِقًا (وَهِيَ)؛ أَيْ: السَّرِقَةُ (أَخْذُ مَالٍ مُحْتَرَمٍ لِغَيْرِهِ)؛ أَيْ السَّارِقِ (عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ) مِنْ (نَائِبِهِ)؛ أَيْ: الْمَالِكِ، وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَمُسَارَقَةُ النَّظَرِ إذَا كَانَ يَسْتَخْفِي بِذَلِكَ (فَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ) مِنْ الطَّرِّ- بِفَتْحِ الطَّاءِ- أَيْ: الْقَطْعِ (وَهُوَ مِنْ يَبُطُّ)؛ أَيْ: يَشُقُّ (جَيْبًا أَوْ كُمًّا) أَوْ صَفْنًا (وَيَأْخُذُ مِنْهُ) نِصَابًا، أَوْ يَأْخُذُ (بَعْدَ سُقُوطِهِ) مِنْ نَحْوِ جَيْبٍ (نِصَابًا) لِأَنَّهُ سَرِقَةٌ مِنْ حِرْزٍ (وَكَذَا) يُقْطَعُ (جَاحِدُ عَارِيَّةٍ) يُمْكِنُ إخْفَاؤُهَا (قِيمَتُهَا نِصَابٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانتْ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ عَائِشَة مِثْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ هُوَ حُكْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ يَدْفَعُهُ شَيْءٌ. (وَلَا) يُقْطَعُ جَاحِدُ (وَدِيعَةٍ، وَلَا) يُقْطَعُ (مُنْتَهِبٌ) وَهُوَ (مَنْ يَعْتَمِدُ الْقُوَّةَ وَالْغَلَبَةَ) فَيَأْخُذُ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْغَنِيمَةِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُنْتَهِبِ قَطْعٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَا مُخْتَلِسٌ) وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ فَيَخْتَطِفُ الشَّيْءَ؛ وَيَمُرُّ بِهِ (وَلَا غَاصِبٌ وَلَا خَائِنٌ فِي وَدِيعَةٍ)؛ أَيْ: يُؤْتَمَنُ عَلَى شَيْءٍ فَيَخْفِيهِ أَوْ بَعْضَهُ، أَوْ يَجْحَدُ؛ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّخَوُّنِ، وَهُوَ التَّنْقِيصُ لِحَدِيثٍ: «لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ وَالْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: بَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ. وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاسَ مِنْ نَوْعِ النَّهْبِ، وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ الْخَائِنُ وَالْمُخْتَلِسُ فَالْغَاصِبُ أَوْلَى. (الشَّرْطُ: الثَّانِي كَوْنُ سَارِقٍ مُكَلَّفًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ (مُخْتَارًا) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مَعْذُورٌ (عَالِمًا بِمَسْرُوقٍ وَتَحْرِيمِهِ) أَيْ الْمَسْرُوقِ عَلَيْهِ (اعْتِبَارًا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ)؛ فَلَا قَطْعَ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ (وَمُكْرَهٍ عَلَى السَّرِقَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بِسَرِقَةِ مِنْدِيلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (بِطَرَفِهِ نِصَابٌ مَشْدُودٌ) (وَلَمْ يَعْلَمْ سَارِقُهُ؛ أَيْ: النِّصَابَ الْمَشْدُودِ بِطَرَفِهِ) (وَلَا) بِسَرِقَةِ جَوْهَرٍ يَظُنُّ السَّارِقُ (أَنْ قِيمَتَهُ دُونَ نِصَابٍ) فَبَانَتْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ (وَلَا) قَطْعَ (عَلَى جَاهِلِ تَحْرِيمِ) سَرِقَةٍ، لَكِنْ لَا تُقْبَلُ مِمَّنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ كَوْنُ مَسْرُوقٍ مَالًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَالِ وَلَا يُسَاوِيه؛ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَالْأَخْبَارُ مُقَيِّدَةٌ لِلْآيَةِ (مُحْتَرَمًا) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَرَمًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ تَجُوزُ سَرِقَتُهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَجَوَازُ الْأَخْذِ مِنْهُ يَنْفِي وُجُوبَ الْقَطْعِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَسْرُوقُ (مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَلَيْسَ) السَّارِقُ (مِنْ مُسْتَحَقِّيهِ)؛ أَيْ: مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ، لِأَنَّهُ مَالٌ مُحْتَرَمٌ لِغَيْرِهِ، وَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ؛ أَشْبَهَ مَالَ غَيْرِ الْوَقْفِ.
وَ(لَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةٍ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَكُتُبِ عِلْمٍ وَسِلَاحٍ) مَوْقُوفٍ ذَلِكَ (عَلَى طَلَبَةٍ أَوْ غُزَاةٍ أَوْ) كَانَتْ الْكُتُبُ مَوْقُوفَةً (عَلَى مَسَاجِدَ) وَمَدَارِسَ، وَلَا مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. (وَلَا) يُقْطَعُ (إنْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَاصِبٍ مَا سَرَقَهُ) السَّارِقُ (أَوْ غَصَبَهُ) الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنْ مَالِكِهِ وَلَا نَائِبِهِ. (وَثَمِينٌ) مُبْتَدَأٌ (كَجَوْهَرٍ وَمَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ كَفَاكِهَةٍ) كَغَيْرِهِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّمْرِ: «مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.، وَرَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، فَأَمَرَ عُثْمَانُ أَنْ تُقَوَّمَ؛ فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشْرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ، فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ: الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي تَأْكُلُهَا النَّاسُ. (وَمَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَمَلْحٍ وَتُرَابٍ وَحَجَرٍ وَلَبِنٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَكَلَأٍ وَثَلْجٍ وَصَيْدٍ كَغَيْرِهِ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، فَيُقْطَعُ السَّارِقُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا لِلْعُمُومَاتِ (سِوَى مَاءٍ) فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سِرْجِينٍ طَاهِرٍ وَإِنَاءِ نَقْدٍ وَدَنَانِيرَ) أَوْ دَرَاهِمَ فِيهَا تَمَاثِيلُ لِأَنَّ صِنَاعَتَهَا الْمُحَرَّمَةَ لَا تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مَالًا مُحْتَرَمًا.
(وَ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ (كُتُبُ عِلْمٍ) مُبَاحٍ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا لَا مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا.
(وَ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (قِنٍّ نَائِمٍ أَوْ قِنٍّ أَعْجَمِيٍّ وَلَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ) لَا كَبِيرٍ غَيْرِ نَائِمٍ وَلَا غَيْرِ أَعْجَمِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْرَقُ، وَإِنَّمَا يُخْدَعُ.
(وَ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ قِنٍّ (صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا، أَشْبَهَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ، وَرُوِيَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِرَجُلٍ يَسْرِقُ الصِّبْيَانَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فَيَبِيعُهُمْ فِي أَرْضٍ أُخْرَى، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَقُطِعَتْ».
وَ(لَا) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (مُكَاتَبٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَمَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ وَلَا اسْتِخْدَامَهُ وَلَا أَخْذَ أَرْشِ جِنَايَاتٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُمَلِّكُهُ نَفْسَهُ؛ أَشْبَهَ الْحُرَّ (وَ) لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (أُمِّ وَلَدٍ، وَلَا حُرٍّ وَلَوْ صَغِيرًا، وَلَا مُصْحَفٍ، وَلَا بِمَا عَلَيْهِمَا مِنْ حُلِيٍّ وَنَحْوِهِ) كَثَوْبٍ صَغِيرٍ، وَكِيسِ مُصْحَفٍ وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمَا لَا يَقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ. (وَلَا بـِ) سَرِقَةَ (كُتُبِ بِدَعٍ أَوْ) كُتُبِ (تَصَاوِيرَ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةُ الْإِتْلَافِ، وَمِثْلُهَا سَائِرُ الْكُتُبِ الْمُحَرَّمَةِ (وَلَا بـِ) سَرِقَةِ (آلَةِ لَهْوٍ) كَزَمْرِ وَطَبْلِ غَيْرِ حَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ كَالْخَمْرِ، وَمِثْلُهُ نَرْدٌ وَشِطْرَنْجٌ، وَلِأَنَّ لِلسَّارِقِ حَقًّا فِي أَخْذِهَا لِكَسْرٍ؛ فَهُوَ شُبْهَةٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا لَا يُقْطَعُ بِهِ، (وَلَا) يُقْطَعُ (بـِ) سَرِقَةِ (صَلِيبٍ) نَقْدًا (أَوْ صَنَمِ نَقْدٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ تَبَعًا لِلصِّنَاعَةِ الْمُحَرَّمَةِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا، بِخِلَافِ صِنَاعَةِ الْآنِيَةِ؛ أَشْبَهَتْ الْأَوْتَارَ الَّتِي بِالطُّنْبُورِ. (وَيَتَّجِهُ) هَذَا إنْ وَجَدَتْ الصَّلِيبُ وَالصَّنَمُ (عِنْدَ مَنْ يُعَظِّمُهَا) أَمَّا لَوْ وُجِدَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فَيُقْطَعُ سَارِقُهُمَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُرِيدُ كَسْرَهَا لِيُصِيغَ مِنْهُمَا حُلِيًّا مُبَاحًا، أَوْ يَبِيعُهُمَا بَعْدَ الْكَسْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا): يُقْطَعُ (بـِ) سَرِقَةِ (آنِيَةٍ فِيهَا خَمْرٌ أَوْ) فِيهَا (مَاءٌ) لِاتِّصَالِهَا بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ تَخَيَّلَ) سَارِقُ الْآنِيَةِ (بِوَصْفِهِ)؛ أَيْ: الْخَمْرِ أَوْ الْمَاءِ (فِيهَا) أَيْ الْآنِيَةِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا مِنْ الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا كَذَلِكَ؛ فَلَا يُقْطَعُ؛ لِاتِّصَالِ الْآنِيَةِ بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ شَيْئًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَوْ لَمْ تُعَارِضْهُ حُرْمَةُ التَّحَيُّلِ. الشَّرْطُ (الرَّابِعُ كَوْنُهُ)؛ أَيْ: الْمَسْرُوقِ (نِصَابًا وَهُوَ)؛ أَيْ: نِصَابِ السَّرِقَةِ (ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ خَالِصَةٍ أَوْ) ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ (تُخَلَّصُ بِهِ مِنْ) فِضَّةٍ (مَغْشُوشَةٍ) بِنَحْوِ نُحَاسٍ (أَوْ رُبْعِ دِينَارٍ)؛ أَيْ: مِثْقَالَ ذَهَبٍ، وَيَكْفِي الْوَزْنُ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ أَوْ التِّبْرِ الْخَالِصِ (وَلَوْ لَمْ يَضْرِبَا) فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ: «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» وَكَانَ رُبْعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَهَذَانِ يَخُصَّانِ عُمُومَ الْآيَةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْحَبْلَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَيُحْمَلُ عَلَى حَبْلٍ يُسَاوِي ذَلِكَ، وَكَذَا الْبَيْضَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا بَيْضَةُ السِّلَاحِ، وَهِيَ تُسَاوِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. (وَيُكَمَّلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ) فَلَوْ سَرَقَ أَحَدٌ دِرْهَمًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ خَالِصٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَثُمُنَ دِينَارٍ مِنْ خَالِصِ الذَّهَبِ؛ قُطِعَ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا (أَوْ) سَرَقَ (مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا)؛ أَيْ: نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مِنْ غَيْرِهِمَا) كَثَوْبٍ (وَنَحْوِهِ) يُسَاوِي ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ سَرَقَ بُرْنُسًا مِنْ صِيغَةِ النِّسَاءِ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِيمَا دُونَ ثَمَنِ الْمِجَنِّ قِيلَ لِعَائِشَةَ مَا ثَمَنُ الْمِجَنِّ؟ قَالَتْ: رُبْعُ دِينَارٍ» رَوَاه النَّسَائِيّ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ النَّقْدَيْنِ أَصْلٌ، وَالْمِجَنُّ التُّرْسِ. (وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ)؛ أَيْ: قِيمَةُ مَسْرُوقٍ لَيْسَ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً (حَالَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ السَّرِقَةِ)؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ لِوُجُوبِ السَّبَبِ فِيهِ، لَا مَا حَدَثَ بَعْدُ (فَلَوْ نَقَصَتْ) قِيمَةُ مَسْرُوقٍ (بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْهُ؛ قُطِعَ) لِوُجُودِ النَّقْصِ بَعْدَ السَّرِقَةِ، كَمَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ. (وَلَا) يُقْطَعُ (إنْ أَتْلَفَهُ)؛ أَيْ: الْمَسْرُوقَ (فِيهِ)؛ أَيْ: الْحِرْزِ (بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَإِرَاقَةِ مَائِعٍ (أَوْ نَقَصَهُ بِذَبْحٍ) كَشَاةٍ قِيمَتُهَا نِصَابٌ، فَذَبَحَهَا فِي الْحِرْزِ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا؛ فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْحِرْزِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا (أَوْ) نَقَصَهُ (بِغَيْرِهِ)؛ أَيْ: الذَّبْحِ بِأَنْ شَقَّ فِيهِ ثَوْبًا، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ النِّصَابِ (ثُمَّ أَخْرَجَهُ) فَلَا قَطْعَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ مَلَكَهُ)؛ أَيْ: النِّصَابَ (سَارِقٌ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ) أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزِهِ (وَبَعْدَ تَرَافُعٍ إلَى الْحَاكِمِ؛ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ) قَوْلًا وَاحِدًا وَلَيْسَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْعَفْوُ عَنْ السَّارِقِ نَصًّا؛ لِحَدِيثِ «صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّهُ نَامَ عَلَى رِدَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأُخِذَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَجَاءَ بِسَارِقِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُرِدْ هَذَا، رِدَائِي عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَالْجُوزَجَانِيُّ. وَفِي لَفْظٍ. قَالَ: «فَأَتَيْته، فَقُلْت أَتَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا؟ أَنَا أَبِيعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهَا، قَالَ: فَهَلَّا كَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» رَوَاه الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الرَّفْعِ لَدَرَأَ الْقَطْعَ؛ لِتَعَذُّرِ شَرْطِ الْقَطْعِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْح. يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا عِنْدَهُ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. (وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَ) قِيمَةُ الْمُنْفَرِدَيْنِ (مَعًا عَشَرَةُ) دَرَاهِمَ (لَمْ يُقْطَعْ) السَّارِقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ نِصَابًا (وَعَلَيْهِ) إنْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْفَرْدِ الَّذِي سَرَقَهُ (ثَمَانِيَةُ) دَرَاهِمَ (قِيمَةُ) الْفَرْدِ (الْمُتْلَفِ اثْنَانِ وَنَقْصُ التَّفْرِقَةِ سِتَّةُ) دَرَاهِمَ (وَكَذَا جُزْءٌ مِنْ كِتَابٍ سَرَقَهُ) وَأَتْلَفَهُ وَنَقَصَ بِالتَّفْرِيقِ، وَنَظَائِرُهُ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ. (وَيَضْمَنُ) مُتَعَدٍّ (مَا فِي وَثِيقَةٍ) مِنْ نَحْوِ دَيْنٍ (أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِدُونِهَا) وَكَذَا لَوْ تَلِفَتْ بِتَعَدِّيهِ (وَهِيَ كَالْكَفَالَةِ تَقْضِي إحْضَارَ الْمَكْفُولِ أَوْ ضَمَانَ مَا عَلَيْهِ وَيَتَّجِهُ وَعَلَى قِيَاسِهِ)؛ أَيْ: ضَمَانِ مَا فِي الْوَثِيقَةِ لَوْ أَتْلَفَ مُتَعَدٍّ (حُجَّةٌ) فِيهَا (وَظِيفَةٌ) لِغَيْرِهِ؛ فَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْوَظِيفَةِ بِدُونِ إحْضَارِ الْحُجَّةِ؛ فَيَضْمَنُهَا مُتْلِفُهَا؛ لِتَعَدِّيهِ، فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةً، وَتَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لَمْ يَضْمَنْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي) سَرِقَةٍ (نِصَابٍ قُطِعُوا) كُلُّهُمْ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْقَطْعِ مِنْهُمْ كَالْقَتْلِ (حَتَّى مَنْ لَمْ يُخْرِجْ) مِنْهُمْ (نِصَابًا) كَامِلًا نَصًّا؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي هَتْكِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ النِّصَابِ كَمَا لَوْ كَانَ ثَقِيلًا فَحَمَلُوهُ (وَلَوْ لَمْ يُقْطَعْ بَعْضُهُمْ لِنَحْوِ شُبْهَةٍ) كَكَوْنِهِ شَرِيكًا لِأَبِي رَبِّ الْمَالِ أَوْ عَبْدًا لَهُ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ (قُطِعَ الْبَاقِي) إنْ أَخَذَ نِصَابًا، وَقِيلَ أَوْ أَقَلَّ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْ أَحَدِهِمْ لِمَعْنًى لَيْسَ فِي غَيْرِهِ أَنْ يَسْقُطَ عَنْ الْغَيْرِ كَشَرِيكِ أَبٍ قَتَلَ وَلَدَهُ. (وَإِنْ اعْتَرَفَا)؛ أَيْ: اثْنَانِ (بِسَرِقَةِ نِصَابٍ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا) عَنْ إقْرَارِهِ (قُطِعَ الْآخَرُ) وَحْدَهُ دُونَ الرَّاجِعِ (وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِمُشَارَكَةِ آخَرَ) فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ (فَأَنْكَرَهُ) وَلَمْ يَقْرَبَا لِسَرِقَةٍ قُطِعَ الْمُقِرُّ (وَيُقْطَعُ سَارِقُ نِصَابٍ لِجَمَاعَةٍ)؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَالنِّصَابَ شَرْطَانِ لِلْقَطْعِ، وَقَدْ وُجِدَا، فَوَجَبَ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالُ وَاحِدٌ. (وَإِنْ هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا فَدَخَلَاهُ فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ) دُونَ الْآخَرِ؛ قُطِعَا نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمُخْرِجَ أَخْرَجَهُ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَمَعُونَتِهِ، أَوْ هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا (أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا) الْحِرْزَ (فَقَرَّبَهُ)؛ أَيْ: النِّصَابَ الْمَسْرُوقَ (مِنْ النَّقْبِ، وَأَدْخَلَ الْآخَرُ يَدَهُ فَأَخْرُجَهُ)؛ أَيْ: النِّصَابَ قُطِعَا؛ لِأَنَّهُمَا ا اشْتَرَكَا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ، (أَوْ) هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا؛ وَدَخَلَ أَحَدُهُمَا (فَوَضَعَهُ وَسَطَ النَّقْبِ، فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ) مِنْهُمَا (قُطِعَا) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْهَتْكِ وَالْإِخْرَاجِ: (وَإِنْ رَمَاهُ)؛ أَيْ: النِّصَابَ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمَا (إلَى) رَفِيقِهِ (الْخَارِجِ) مِنْ الْحِرْزِ (أَوْ نَاوَلَهُ) إيَّاهُ (فَأَخَذَهُ) الْخَارِجُ (أَوَّلًا)؛ أَيْ: لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ (أَوْ أَعَادَهُ)؛ أَيْ: الْمَتَاعَ (فِيهِ)؛ أَيْ: الْحِرْزِ (أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ (قُطِعَ الدَّاخِلُ) مِنْهُمَا الْحِرْزَ (وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ الْمُخْرِجُ لِلنِّصَابِ وَحْدَهُ، فَاخْتَصَّ الْقَطْعُ بِهِ. (وَإِنْ هَتَكَهُ)؛ أَيْ: الْحِرْزَ (أَحَدُهُمَا، وَدَخَلَ الْآخَرُ، فَأَخْرَجَ الْمَالَ) وَحْدَهُ (فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا)؛ أَيْ: عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْرِقْ؛ وَالثَّانِيَ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ (وَلَوْ تَوَاطَئَا) عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: هَذَا الْمَذْهَبُ؛؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِأَحَدِهِمَا فِيمَا فَعَلَهُ الْآخَرُ؛ فَلَا يَبْقَى إلَّا الْقَصْدُ، وَالْقَصْدُ إذَا لَمْ يُقَارِنْهُ الْفِعْلُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ. (وَمَنْ نَقَبَ وَدَخَلَ) الْحِرْزَ (فَابْتَلَعَ) فِيهِ (ذَهَبًا أَوْ جَوْهَرًا) أَوْ نَحْوَهُمَا (وَخَرَجَ بِهِ) قُطِعَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ فِي كُمِّهِ (أَوْ تَرَكَ الْمَتَاعَ) فِي الْحِرْزِ (عَلَى بَهِيمَةٍ، فَخَرَجَتْ بِهِ) الْبَهِيمَةُ- وَلَوْ بِلَا سَوْقٍ- قُطِعَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مَشْيُ الْبَهِيمَةِ بِمَا وُضِعَ عَلَيْهَا (أَوْ) تَرَكَ الْمَتَاعَ (فِي مَاءِ جَارٍ) فَأَخْرَجَهُ الْمَاءُ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ وَالْمَاءَ لَا إرَادَةَ لَهُمَا فِي الْإِخْرَاجِ (أَوْ أَمَرَ) مَنْ هَتَكَ الْحِرْزَ (غَيْرَ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ (بِإِخْرَاجِهِ)؛ أَيْ: النِّصَابِ (فَأَخْرَجَهُ) غَيْرُ الْمُكَلَّفِ قُطِعَ الْآمِرُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا حُكْمَ لِفِعْلِهِ؛ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَهِيمَةِ (أَوْ تَرَكَ هَاتِكُ) الْحِرْزِ الْمَتَاعَ (عَلَى جِدَارٍ) دَاخِلِ الْحِرْزِ (فَأَخْرَجَتْهُ رِيحٌ) قُطِعَ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ مِنْهُ؛ فَلَا أَثَرَ لِلرِّيحِ (أَوْ) هَتَكَ الْحِرْزَ، وَ(رَمَى بِهِ)؛ أَيْ: الْمَتَاعَ (خَارِجًا) عَنْ الْحِرْزِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ، أَوْ هَتَكَ الْحِرْزَ (وَجَذَبَهُ)؛ أَيْ: الْمَتَاعَ بِشَيْءٍ وَهُوَ خَارِجُ الْحِرْزِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ (أَوْ اسْتَتْبَعَ سَخْلَ شَاةِ) بِأَنَّهُ قَرَّبَ إلَيْهِ أُمَّهُ؛ وَهُوَ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ، فَتَبِعَهَا، وَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا؛ قُطِعَ، لَا أَنَّ تَبِعَهَا السَّخْلُ بِلَا اسْتِتْبَاعٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَذَا عَكْسُهَا (أَوْ) هَتَكَ الْحِرْزَ (وَتَطَيَّبَ فِيهِ) بِطِيبٍ كَانَ فِيهِ، خَرَجَ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ، (وَ) كَانَ مَا تَطَيَّبَ بِهِ (لَوْ اجْتَمَعَ بَلَغَ) مَا يُسَاوِي (نِصَابًا)؛ قُطِعَ؛ لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ وَإِخْرَاجِهِ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا، كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ طِيبٍ. (أَوْ هَتَكَ الْحِرْزَ) وَقْتًا (وَأَخَذَ الْمَالَ وَقْتًا آخَرَ) وَقَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا؛ قُطِعَ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ عَقِبَ الْهَتْكِ، (أَوْ) هَتَكَ الْحِرْزَ (وَأَخَذَ بَعْضَهُ)؛ أَيْ: النِّصَابِ (ثُمَّ أَخَذَ بَقِيَّتَهُ)؛ أَيْ: النِّصَابِ (وَقَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا) مِنْ الزَّمَنِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهَا سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلِأَنَّ فِعْلَ الْوَاحِدِ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ أَوْلَى مِنْ بِنَاءِ فِعْلِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ، وَإِنْ بَعُدَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَا فِي لَيْلَتَيْنِ؛ فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَرِقَةٍ مِنْهُمَا لَا تَبْلُغُ نِصَابًا، وَإِنَّ عَلِمَ الْمَالِكُ هَتْكَ الْحِرْزِ، وَأَهْمَلَهُ، فَلَا قَطْعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أَوْ هَتَكَ حِرْزًا (أَوْ فَتَحَ أَسْفَلَ كِوَارَةٍ، فَخَرَجَ الْعَسَلُ شَيْئًا فَشَيْئًا) أَوْ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُهْمِلْ الْأَخَذَ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ جُمْلَةً (أَوْ أَخْرَجَهُ) أَيْ: الْمَتَاعَ السَّارِقُ (إلَى سَاحَةِ دَارٍ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ مِنْهَا)؛ أَيْ: الدَّارِ الَّتِي بِهَا الْبَيْتُ (مُغْلَقٌ؛ قُطِعَ)؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ، وَأَخْرَجَ مِنْهُ نِصَابًا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّارِ بَابٌ آخَرُ. (وَلَوْ عَلَّمَ) إنْسَانٌ (قِرْدًا أَوْ عُصْفُورًا) وَنَحْوَهُ (السَّرِقَةَ) فَسَرَقَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَعَلَى مُعَلِّمِهِ (الْغُرْمُ)؛ أَيْ: غُرْمُ قِيمَةِ مَا أَخَذَهُ (فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ الْقَطْعِ؛؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ إخْرَاجُهُ)؛ أَيْ النِّصَابِ (مِنْ حِرْزٍ)؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ( «أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثِّمَارِ، فَقَالَ: مَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ أَكْمَامِهِ، وَاحْتَمَلَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، وَمَا كَانَ فِي الْجَرِينِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِلْآيَةِ (فَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ) بِأَنْ وَجَدَ حِرْزًا مَهْتُوكًا أَوْ بَابًا مَفْتُوحًا فَأَخَذَ مِنْهُ نِصَابًا (فَلَا قَطَعَ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، دَاخِلَ الْحِرْزِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ. (وَمِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ)؛ أَيْ بَعْضِ الثَّوْبِ (نِصَابٌ؛ قُطِعَ بِهِ) أَيْ بِالْبَعْضِ الَّذِي أَخْرَجَهُ (إنْ قَطَعَهُ) مِنْ الثَّوْبِ؛ لِتَحَقُّقِ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ (وَإِلَّا) يُقْطَعُ مَا أَخْرَجَهُ (فَلَا قَطَعَ) عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ خَشَبَةٍ وَبَاقِيهَا دَاخِلُ الْحِرْزِ، وَلَمْ يَقْطَعْهَا لِلتَّبَعِيَّةِ. (وَلَوْ أَمْسَكَ غَاصِبٌ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ فِي يَدِ مَالِكِهَا؛ لَمْ يَضْمَنْهَا) لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يَنْفَرِدُ عَنْ بَعْضٍ، وَمَنْ هَتَكَ حِرْزًا أَوْ احْتَلَبَ لَبَنَ مَاشِيَةٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ وَبَلَغَ نِصَابًا، قُطِعَ، وَإِنْ شَرِبَهُ دَاخِلَهُ أَوْ أَخْرَجَ دُونَ نِصَابٍ؛ فَلَا قَطْعَ. (وَحِرْزُ كُلُّ مَالٍ مَا حُفِظَ فِيهِ عَادَةً)؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحِرْزِ الْحِفْظُ وَمِنْهُ اُحْتُرِزَ مِنْ كَذَا، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ الشَّرْعِ بَيَانُهُ، وَلَا لَهُ عُرْفٌ لُغَوِيٌّ يَتَقَدَّرُ بِهِ كَالْقَبْضِ وَالتَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ. (وَيَخْتَلِفُ) الْحِرْزُ (بِاخْتِلَافِ) جِنْسِ الْمَالِ وَبِاخْتِلَافِ بَلَدٍ (5) كِبَرًا أَوْ صِغَرًا؛ لِخَفَاءِ السَّارِقِ بِالْبَلَدِ الْكَبِيرِ لِسَعَةِ أَقْطَارِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْبَلَدِ الصَّغِيرِ، وَيَخْتَلِفُ الْحِرْزُ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ (عَدْلِ سُلْطَانٍ وَقُوَّتِهِ وَجَوْرِهِ وَعَجْزِهِ وَضَعْفِهِ)؛ فَإِنَّ السُّلْطَانَ الْعَدْلَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فَتَقِلُّ السُّرَّاقُ خَوْفًا مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ؛ فَيَقْطَعُ؛ فَلَا يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إلَى زِيَادَةِ حِرْزٍ، وَإِنْ كَانَ جَائِرًا يُشَارِكُ مَنْ الْتَجَأَ إلَيْهِ مِنْ الذُّعَّارِ وَيَذُبُّ عَنْهُمْ قَوِيَتْ صَوْلَتُهُمْ، فَيَحْتَاجُ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ لِزِيَادَةِ التَّحَفُّظِ، وَكَذَا الْحَالُ مَعَ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ. (فَحِرْزُ جَوْهَرٍ وَنَقْدٍ) ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (وَقُمَاشٍ فِي الْعُمْرَانِ)؛ أَيْ: الْأَبْنِيَةِ الْحَصِينَةِ فِي الْمَحَالِّ الْمَسْكُونَةِ مِنْ الْبَلَدِ (بِدَارٍ وَدُكَّانٍ وَرَاءَ غَلْقٍ وَثِيقٍ) أَيْ: قُفْلِ خَشْبٍ أَوْ حَدِيدٍ فَإِنْ كَانَتْ الْأَبْوَابُ مُفَتَّحَةً وَلَا حَافِظَ فِيهَا فَلَيْسَتْ حِرْزًا (فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا خَزَائِنُ مُغْلَقَةٌ فَالْخَزَائِنُ حِرْزٌ لَهَا وَمَا خَرَجَ عَنْهَا فَلَيْسَ بِمُحَرَّزٍ) كَمَا لَا يَخْفَى. (وَصُنْدُوقٌ) مُبْتَدَأٌ (بِسُوقٍ، وَثَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (حَارِسٌ) بِالسُّوقِ (حِرْزٌ) خَبَرٌ لِمَا فِي الصُّنْدُوقِ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ نِصَابًا، قُطِعَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَارِسٌ؛ فَلَيْسَ حِرْزًا. (وَحِرْزُ بَقْلٍ وَقُدُورِ بَاقِلَّا وَقِدْرِ طَبِيخٍ، وَحِرْزُ خَذَفٍ وَثَمَّ حَارِسٌ وَرَاءَ الشَّرَائِجِ) جَمْعُ شَرِيجَةٍ شَيْءٌ مِنْ نَحْوِ قَصَبٍ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِنَحْوِ حَبْلٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إحْرَازُ ذَلِكَ بِذَلِكَ. (وَحِرْزُ خَشَبٍ وَحَطَبٍ الْحَظَائِرُ) جَمْعُ حَظِيرَةٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُعْمَلُ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مِنْ الشَّجَرِ تَأْوِي إلَيْهِ فَيُعَبَّرُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَيُرْبَطُ بِحَيْثُ يَعْسُرُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَصْلُ الْحَظْرِ الْمَنْعُ، وَإِنْ كَانَتْ بِخَانٍ فَهُوَ أَحْرَزُ (وَ) حِرْزُ (مَاشِيَةٍ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ الصِّيَرُ جَمْعُ صِيرَةٍ، وَهِيَ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ (وَ) حِرْزُ مَاشِيَةٍ (فِي مَرْعًى بِرَاعٍ يَرَاهَا فِيهِ غَالِبًا)؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ حِرْزُهَا بِذَلِكَ، فَمَا غَابَ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ خَرَجَ عَنْ الْحِرْزِ. (وَحِرْزُ سُفُنٍ فِي شَطٍّ بِرَبْطِهَا فِيهِ) بِهِ عَلَى الْعَادَةِ. (وَحِرْزُ إبِلٍ بَارِكَةٍ مَعْقُولَةٍ بِحَافِظٍ حَتَّى نَائِمٍ)؛ لِأَنَّ عَادَةَ مُلَّاكِهَا عَقْلُهَا إذَا نَامُوا (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً) فَبِحَافِظٍ يَقْظَانَ (وَ) حِرْزُ (حُمُولَتِهَا) بِفَتْحِ الْحَاءِ؛ أَيْ: الْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ (بِتَقْطِيرِهَا مَعَ قَائِدٍ يَرَاهَا بِحَيْثُ يَكْثُرُ الْتِفَاتُهُ إلَيْهَا) وَكَذَا مَعَ سَائِقٍ يَرَاهَا بَلْ أَوْلَى (وَمَعَ عَدَمِ تَقْطِيرِ) الْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ (بِسَائِقِ يَرَاهَا) لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِي حِفْظِهَا. (وَمَنْ سَرَقَ الْجَمَلَ بِمَا عَلَيْهِ وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ؛ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ؛ قُطِعَ. (وَحِرْزُ بُيُوتٍ فِي صَحْرَاءَ وَبَسَاتِينَ بِمُلَاحَظٍ) يَرَاهَا إنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً فَإِنْ كَانَتْ مُغْلَقَةً (فَبِنَائِمٍ) فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ وَلَا مُلَاحِظٌ ثَمَّ يَرَاهَا؛ فَلَيْسَتْ حِرْزًا، مُغْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مَفْتُوحَةً، (وَكَذَا)؛ أَيْ: كَالْبُيُوتِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبَسَاتِينِ (نَحْوُ خَيْمَةٍ) كَخَرْكَاةٍ وَبَيْتِ شَعْرٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُلَاحِظٌ أَوْ كَانَتْ مُغْلَقَةً وَفِيهَا نَائِمٌ؛ فَمُحَرَّزَةٌ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهَا وَلَا عَلَى سَارِقٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّزَةٍ عَادَةً. (وَحِرْزُ ثِيَابٍ فِي حَمَّامٍ وَ) (حِرْزُ أَعْدَالٍ وَ) حِرْزُ (غَزْلٍ بِسُوقٍ أَوْ فِي خَانٍ وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا فِي دُخُولٍ) كَرِبَاطٍ (بِحَافِظٍ) يَرَاهَا (كَقُعُودِهِ عَلَى مَتَاعٍ وَتَوَسُّدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي قَطْعِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُتَوَسِّدُهُ (وَإِنْ فَرَّطَ حَافِظٌ) فِي حَمَّامٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَكَانٍ مُشْتَرَكِ الدُّخُولِ كَالْمَضْيَفَةِ وَالتَّكِيَّةِ وَالْخَانِكَاتِ فَنَامَ أَوْ اُشْتُغِلَ، (فَلَا قَطْعَ) عَلَى السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْ حِرْزٍ (ضَمِنَ) الْمَسْرُوقَ حَافِظٌ (مُعَدٌّ) لِلْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ (فَرَّطَ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَحْفَظْ) لِتَفْرِيطِهِ. (وَمَنْ كَانَ مَتَاعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَبَزْرِ بَزَّارٍ وَخُبْزِ خَبَّازٍ بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ، فَهُوَ حِرْزٌ) يُقْطَعُ سَارِقُهُ بِسَرِقَتِهِ. (وَمَنْ اسْتَحْفَظَ شَخْصًا مَتَاعَهُ بِمَسْجِدٍ، فَسُرِقَ بِتَفْرِيطِهِ فِي حِفْظِهِ؛ فَلَا قَطَعَ) عَلَى سَارِقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْرَقْ مِنْ حِرْزٍ (وَلَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ مَنْ اُسْتُحْفِظَ (الْغُرْمُ إنْ كَانَ الْتَزَمَ حِفْظَهُ وَأَجَابَهُ إلَى مَا سَأَلَهُ) صَرِيحًا (وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ، لَكِنْ سَكَتَ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمٌ)؛ لِأَنَّهُ مَا قَبِلَ الِاسْتِيدَاعَ وَلَا قَبَضَ الْمَتَاعَ، وَإِنْ حَفِظَ الْمَتَاعَ بِنَظَرِهِ إلَيْهِ، وَقُرْبِهِ مِنْهُ، فَسُرِقَ، فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَعَلَى السَّارِقِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ. (وَحِرْزُ كَفَنٍ مَشْرُوعٍ بِقَبْرٍ طُمَّ كَوْنُهُ عَلَى مَيِّتٍ) وَلَوْ بَعُدَ الْقَبْرُ عَلَى الْعُمْرَانِ، فَمَنْ نَبَشَ قَبْرًا، وَأَخَذَ مِنْهُ كَفَنًا أَوْ بَعْضَهُ يُسَاوِي نِصَابًا؛ قُطِعَ لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَقَوْلِ عَائِشَةَ: سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَطَعَ نَبَّاشًا، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْكَفَنَ مِنْ الْقَبْرِ بَلْ مِنْ اللَّحْدِ، وَوَضَعَهُ فِي الْقَبْرِ؛ فَلَا قَطْعَ كَنَقْلِ الْمَتَاعِ فِي الْبَيْتِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، وَكَذَا إنْ أُكِلَ الْمَيِّتُ وَنَحْوُهُ وَبَقِيَ الْكَفَنُ؛ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ كَمَا لَوْ زَالَ نَائِمٌ بِنَحْوِ مَسْجِدٍ عَنْ رِدَائِهِ ثُمَّ سُرِقَ (وَهُوَ)؛ أَيْ: الْكَفَنُ (مِلْكٌ لَهُ)؛ أَيْ: الْمَيِّتِ اسْتِصْحَابًا لِلْحَيَاةِ (يُوَفَّى مِنْهُ دَيْنُهُ لَوْ عَدِمَ) وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا عَمَّا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ (وَالْخَصْمُ فِيهِ الْوَرَثَةُ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ كَوَلِيِّ غَيْرِ مُكَلَّفٍ (فَإِنْ عُدِمُوا)؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (ف) الْخَصْمُ فِيهِ (نَائِبُ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ كَالْقَوَدِ، وَإِنْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعٌ فَكَذَلِكَ، وَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ صِحَّةِ تَمْلِيكِ الْمَيِّتِ، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ. (وَمَنْ سَرَقَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ لَفَائِفَ رَجُلٍ وَخَمْسِ لَفَائِفَ امْرَأَةٍ) لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ (أَوْ) تُرِكَ الْمَيِّتُ فِي تَابُوتٍ فَأَخَذَ السَّارِقُ (تَابُوتَه أَوْ أَخَذَ مَا مَعَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ لَمْ يُقْطَعْ) السَّارِقُ (لِأَنَّهُ)؛ أَيْ: الْمَذْكُورُ سَفَهٌ (غَيْرُ مَشْرُوعٍ) وَتَرْكُ غَيْرِهِ مَعَهُ يَضِيعُ فَلَا يَكُونُ مُحَرَّزًا بِالْقَبْرِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يُقْطَعُ سَارِقٌ إنْ (سَرَقَ الْمَيِّتَ بِكَفَنِهِ) لِاتِّصَالِ الْكَفَنِ بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَحِرْزُ بَابٍ تَرْكِيبُهُ بِمَوْضِعِهِ) مَفْتُوحًا كَانَ أَوْ مُغْلَقًا؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ (وَ) حِرْزُ (حَلَقَتِهِ)؛ أَيْ: الْبَابِ (بِتَرْكِيبِهَا فِيهِ)؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ كَبَعْضِهِ، فَمَنْ أَخَذَ بَابًا مَنْصُوبًا أَوْ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا؛ قُطِعَ؛ (وَتَازِيرٌ)؛ أَيْ: مَا يُجْعَلُ فِي أَسْفَلِ الْحَائِطِ مِنْ لِبَادٍ أَوْ رُفُوفٍ وَنَحْوِهَا (وَ) حِرْزُ (جِدَارِ دَارٍ) كَوْنُهُ مَبْنِيًّا فِيهَا إذَا كَانَتْ فِي الْعُمْرَانِ. (وَحِرْزُ) سَقْفٍ (كَبَابٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ) الدَّارُ (بِالصَّحْرَاءِ وَفِيهَا حَافِظٌ) فَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ أَوْ خَشَبِهِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا؛ وَجَبَ قَطْعُهُ؛؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ حِرْزٌ لِغَيْرِهِ، فَيَكُونُ حِرْزًا لِنَفْسِهِ، وَلَا يُقْطَعُ إنْ هَدَمَ الْحَائِطَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَتَاعَ بِحِرْزٍ، بَلْ يَغْرَمُ أَرْشَ الْهَدْمِ إنْ تَعَدَّى بِهِ. وَأَمَّا أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَتْ أَبْوَابُ الدِّيَارِ مُغْلَقَةً فَهِيَ مُحَرَّزَةٌ (مُغْلَقَةً) كَانَتْ (أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ) أَوْ مَفْتُوحَةً وَإِنْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا لَمْ تَكُنْ أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ مُحْرَزَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ مُغْلَقَةً أَوْ يَكُونَ فِي الدَّارِ حَافِظٌ يَحْفَظُهَا (وَنَوْمٌ) مُبْتَدَأٌ (عَلَى رِدَاءِ) بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ عَلَى مِجَرِّ فَرَسٍ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ)؛ أَيْ: الرِّدَاءِ أَوْ مَجَرِّ الْفَرَسِ (وَنَعْلٌ بِرِجْلٍ) وَمِثْلُهُ خُفٌّ (وَعِمَامَةٌ عَلَى الرَّأْسِ حِرْزٌ) خَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا يُحْرَزُ عَادَةً؛؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مُتَوَسِّدُهُ»، فَإِنْ زَالَ النَّائِمُ عَنْ الرِّدَاءِ أَوْ مَجَرِّ الْفَرَسِ، أَوْ كَانَتْ النَّعْلُ بِغَيْرِ رِجْلِهِ؛ فَلَا قَطْعَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِنَحْوِ دَارٍ. (فَمَنْ نَبَشَ قَبْرًا أَوْ أَخَذَ الْكَفَنَ) الْمَشْرُوعَ وَبَلَغَ نِصَابًا؛ قُطِعَ، لَا مَنْ وَجَدَ قَبْرًا مَنْبُوشًا، فَأَخَذَ مِنْهُ كَفَنًا. (أَوْ سَرَقَ رِتَاجَ الْكَعْبَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ بَابُهَا الْعَظِيمُ؛ قُطِعَ؛ (أَوْ) إنْ سَرَقَ (بَابَ مَسْجِدٍ) قُطِعَ (أَوْ سَقْفَهُ أَوْ تَازِيرُهُ) قُطِعَ (أَوْ سَحَبَ رِدَاءَهُ)؛ أَيْ: النَّائِمِ مِنْ تَحْتِهِ، (أَوْ) سَحَبَ (مَجَرَّ فَرَسٍ مِنْ تَحْتِهِ، أَوْ سَحَبَ نَعْلًا مِنْ رِجْلٍ، وَبَلَغَ) مَا أَخَذَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ (نِصَابًا؛ قُطِعَ) سَارِقُهُ؛ لِسَرِقَتِهِ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مِثْلِهِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَ(لَا) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (سِتَارَةِ الْكَعْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ) نَصًّا (وَلَوْ) كَانَتْ (مَخِيطَةً عَلَيْهَا) كَغَيْرِ الْمَخِيطَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّزَةٍ (وَلَا بـِ) سَرِقَةِ (قَنَادِيلِ مَسْجِدٍ، وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَتْ الْقَنَادِيلُ (لِزِينَةٍ) وَهَذَا الِاتِّجَاهُ حَشْوٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقْطَعْ بِقَنَادِيلِ الشَّعْلِ، فَلَأَنْ لَا يُقْطَعَ بِقَنَادِيلِ الزِّينَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَنَادِيلَ الزِّينَةِ لَا حُرْمَةَ لَهَا، وَكَذَلِكَ قَنَادِيلُ الشَّعْلِ؛ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْمَسْجِدِ (وَحُصْرِهِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُعَدٌّ لِنَفْعِ الْمُصَلِّينَ كَقَفَصٍ يَضَعُونَ نِعَالَهُمْ فِيهِ وَخَابِيَةٍ يَشْرَبُونَ مِنْهَا (إنْ كَانَ) السَّارِقُ (مُسْلِمًا)؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا كَسَرِقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ قُطِعَ. (وَمَنْ سَرَقَ ثَمَرًا) يَنْتَفِعُ بِهِ، سَوَاءً كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَا (أَوْ) سَرَقَ (طَلْعًا أَوْ) سَرَقَ (جُمَّارًا) وَهُوَ قَلْبُ النَّخْلَةِ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ التَّمْرُ وَالسَّعَفُ وَتَمُوتُ بِقَطْعِهِ، وَيُرَادِفُهُ الْكُثْرُ (أَوْ) سَرَقَ (مَاشِيَةً) فِي الْمَرْعَى (مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ كَمِنْ شَجَرَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ الشَّجَرَةُ (بِبُسْتَانٍ مَحُوطٍ عَلَيْهِ فِيهِ حَافِظٌ؛ فَلَا قَطْعَ) لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا. «لَا قَطْعَ فِي تَمْرٍ وَلَا كَثَرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. (وَأُضْعِفَتْ) عَلَى سَارِقِهِ (قِيمَتُهُ)؛ أَيْ: الْمَسْرُوقِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ طَلْعٍ أَوْ جُمَّارٍ أَوْ مَاشِيَةٍ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَيَضْمَنُ عِوَضًا عَمَّا سَرَقَهُ مَرَّتَيْنِ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:«سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بُغْيَةً مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ فَعَلَيْهِ غَرَامَةٌ مِثْلِيَّةٌ وَالْعُقُوبَةُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْد أَنْ يَأْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ؛ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ لَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ غَرَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ نَحَرَ غِلْمَانُهُ نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةُ مِثْلَيْ قِيمَتِهَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالْخُبْنَةُ بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ بَاءَ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ نُونٍ الْحُجْزَةُ- وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ، وَمِنْ السَّرَاوِيلِ مَوْضِعُ التِّكَّةِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: نُكِلَ الطَّعَامَ غَيَّبَهُ وَخَبَّأَهُ لِلشِّدَّةِ، وَالْخُبْنَةُ بِالضَّمِّ مَا تَحْمِلهُ فِي حِصْنِك. انْتَهَى.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ سَارِقَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَرَّتَيْنِ (وَلَوْ) كَانَ (مِثْلِيًّا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (كَمَاشِيَةٍ تُسْرَقُ مِنْ الْمَرْعَى بِلَا حِرْزٍ وَكَكَاتِمٍ مُحَرَّمٍ الْتِقَاطُهُ فَتَلِفَ) فَلَا يُقْطَعُ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَرَّتَيْنِ. (وَيُقْطَعُ) مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (بَعْدَ وَضْعٍ بِجَرِينٍ وَنَحْوِهِ) كَمِسْطَاحٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحَرَّزًا، (أَوْ) سَرَقَ نِصَابًا مِنْ ثَمَرٍ (مِنْ شَجَرَةٍ بِدَارٍ مُحَرَّزَةٍ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ السَّابِقِ، وَلَا تُضَعَّفُ الْقِيمَةُ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلنَّصِّ. (وَلَا قَطْعَ) بِسَرِقَةٍ (عَامَ مَجَاعَةٍ غَلَاءٍ إنْ لَمْ يَجِدْ) سَارِقٌ (مَا يَشْتَرِيه أَوْ مَا يَشْتَرِي بِهِ) نَصًّا.
قَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يُبْذَلْ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ. وَفِي التَّرْغِيبِ مَا تَحْيَا بِهِ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ. (الشَّرْطُ السَّادِسُ انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ؛ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةٍ) [(مِنْ) مَالٍ (عَمُودَيْ نَسَبِهِ)]؛ أَيْ: السَّارِقِ، أَمَّا سَرِقَتُهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَلِحَدِيثِ: ( «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيكَ») وَأَمَّا سَرِقَتُهُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَوْا، أَوْ مِنْ مَالِ وَلَدِ ابْنِهِ أَوْ وَلَدِ بِنْتِهِ وَإِنْ سَفُلَا؛ فَلِأَنَّ بَيْنهمْ قَرَابَةً تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِأَحَدِهِمْ عَلَى الْآخَرِ حِفْظًا لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ حِفْظًا لِلْمَالِ. (وَلَا) قَطْعَ بِسَرِقَةٍ (مِنْ مَالٍ لَهُ)؛ أَيْ: السَّارِقِ (فِيهِ شِرْكٌ، أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ) السَّارِقُ (بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ) فِيهِ شِرْكٌ كَأَبِيهِ وَوَلَدِهِ؛ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ فِيهِ بِالْبَعْضِ الَّذِي لَا يَجِبُ بِسَرِقَتِهِ قَطْعٌ، وَ(لَا) قَطْعَ بِسَرِقَةٍ (مِنْ غَنِيمَةٍ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ) مِنْ سَارِقٍ وَعَمُودَيْ نَسَبِهِ (فِيهَا حَقٌّ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ قِنٌّ مِنْ غَنِيمَةٍ لِسَيِّدِهِ فِيهَا حَقٌّ. (وَلَا) قَطْعَ بِسَرِقَةِ (مُسْلِمٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا قَطْعَ، مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ. وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ: لَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَطْعٌ (وَلَوْ) كَانَ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (قِنًّا) صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّنْقِيحِ؛ لِأَنَّ قِنَّ الْمُسْلِمِ لَهُ شُبْهَةٌ، وَهُوَ أَنَّ سَيِّدَهُ لَوْ افْتَقَرَ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقِنِّ كَسْبٌ فِي نَفْسِهِ؛ كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَ)؛ لِأَنَّهُ (لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُقْطَعُ بِهِ سَيِّدُهُ) وَسَيِّدُهُ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا هُوَ، (وَلَا) قَطْعَ (بِسَرِقَةِ) مُكَاتَبٍ مِنْ مَكَاتِبِهِ (وَعَكْسُهُ كَقِنِّهِ) إذْ الْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:«أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَقَالَ: مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا». (وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ مِنْ الْآخَرِ وَلَوْ أُحْرِزَ عَنْهُ) رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عَمْرٍو بِإِسْنَادِ جَيِّد، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ حَجْبٍ يَتَبَسَّطُ فِي مَالِهِ، أَشْبَهَ الْوَلَدَ مَعَ الْوَالِدِ، وَكَمَا لَوْ مَنَعَهَا نَفَقَتَهَا. (وَلَا) قَطْعَ (بِسَرِقَةِ مَسْرُوقٍ مِنْهُ أَوْ) سَرِقَةِ (مَغْصُوبٍ مِنْهُ مَالُ سَارِقٍ أَوْ) مَالُ (غَاصِبٍ مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ أَوْ) مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ (الْمَغْصُوبَةُ)؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مِنْهُمَا شُبْهَةً فِي هَتْكِ الْحِرْزِ إذَنْ لِأَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ، فَإِذَا هَتَكَهُ صَارَ كَأَنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ مِنْ ذَلِكَ الْحِرْزِ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ (وَإِنْ سَرَقَهُ)؛ أَيْ: سَرَقَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَالَ سَارِقٍ أَوْ غَاصِبٍ (مِنْ حِرْزٍ آخَرَ) غَيْرِ الَّذِي بِهِ مَا سَرَقَ مِنْهُ أَوْ غَصَبَ مِنْهُ؛ قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ مِنْ حِرْزِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ سَارِقٍ أَوْ غَاصِبٍ مِنْ حِرْزٍ غَيْرِ الَّذِي بِهِ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ أَوْ الْمَغْصُوبُ [(عَلَى تَوَهُّمٍ أَنَّهُ)؛ أَيْ: الْمَالَ الْمَسْرُوقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ فِيهِ] لِلشُّبْهَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ) قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْمَالِ وَلَا فِي الْحِرْزِ (لَا) إنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَدِينِهِ (بِقَدْرِهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ (لِعَجْزِهِ) عَنْ اسْتِخْلَاصِهِ بِحَاكِمٍ؛ لِإِبَاحَةِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْأَخْذَ إذَنْ كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحِ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَإِنْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ، وَبَلَغَ الزَّائِدُ نِصَابًا قُطِعَ (أَوْ) سَرَقَ (عَيْنًا قُطِعَ بِهَا)؛ أَيْ: بِسَرِقَتِهَا (فِي سَرِقَةٍ أُخْرَى) مُتَقَدِّمَةٍ مِنْ حِرْزِهَا الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْقَطْعِ الْأَوَّلِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَهَا؛ بِخِلَافِ حَدِّ قَذْفٍ فَلَا يُعَادُ بِإِعَادَةِ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إظْهَارُ كَذِبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ (أَوْ أَجَّرَ إنْسَانٌ دَارِهِ أَوْ أَعَارَ دَارِهِ، ثُمَّ سَرَقَ) مُؤَجِّرٌ (مِنْهَا مَالُ مُسْتَأْجِرٍ، أَوْ) سَرَقَ مِنْهَا مَالُ (مُسْتَعِيرٍ) قُطِعَ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْمَالِ وَلَا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ دَارُهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ بِسَرِقَتِهِ مِنْهَا. (أَوْ) سَرَقَ (مِنْ) مَالِ (قَرَابَةٍ) لَهُ (غَيْرِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ كَأَخِيهِ) وَعَمِّهِ وَخَالِهِ؛ قُطِعَ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهُ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ؛ فَلَا تَمْنَعُ الْقَطْعَ. (أَوْ) سَرَقَ (مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ أَوْ مِنْ مُسْتَأْمَنٍ) أَوْ سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ (قُطِعَ) سَارِقٌ؛ لِأَنَّ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْصُومٌ كَسَرِقَةِ مُسْلِمٍ مِنْ مُسْلِمٍ، وَيُقْطَعُ الْمُرْتَدُّ إذَا سَرَقَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قُتِلَ لِلرِّدَّةِ اُكْتُفِيَ بِقَتْلِهِ. (وَمَنْ سَرَقَ) وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ (بِبَيِّنَةٍ) شَهِدَتْ أَنَّهُ سَرَقَ (عَيْنًا) فَأَنْكَرَ؛ لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ. وَإِنْ قَالَ: احْلِفُوا أَنِّي سَرَقْت مِنْهُ لَمْ يُجَبْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي الْإِحْلَافِ قَدْحٌ فِي الشَّهَادَةِ (ف) إنْ (ادَّعَى مِلْكَهَا)؛ أَيْ: الْعَيْنِ (أَوْ) ادَّعَى مِلْكَ (بَعْضِهَا) وَأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ رَهْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ ثَبَتَتْ لَهُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى السَّارِقِ، وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، وَلِهَذَا حَلَّفْنَا الْمَسْرُوقَ مِنْهُ، وَإِنْ نَكَلَ قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ (أَوْ) سَرَقَ عَيْنًا وَادَّعَى الْإِذْنَ مِنْ صَاحِبِ الْحِرْزِ (فِي دُخُولٍ؛ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ) كَانَ (مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُحْتَمَلٌ؛ فَهُوَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ السَّارِقَ الظَّرِيفَ (وَ) حَيْثُ تَقَرَّرَ أَنْ لَا قَطْعَ فَإِنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ (يَأْخُذُهَا) مِنْ السَّارِقِ الْمُدَّعِي مِلْكَهَا أَوْ مِلْكَ بَعْضِهَا (مَسْرُوقٌ مِنْهُ بِيَمِينِهِ) أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَيْسَ لِلسَّارِقِ فِيهَا مِلْكٌ. الشَّرْطُ (السَّابِعُ ثُبُوتُهَا)؛ أَيْ السَّرِقَةِ (بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَكَانَ الْقِيَاسُ قَبُولَ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ، لَكِنْ خُولِفَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ النَّصِّ فِيهِ فَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى عُمُومِهِ (يَصِفَانِهَا)؛ أَيْ: السَّرِقَةَ فِي شَهَادَتِهِمَا، وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَيُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كَالزِّنَا (وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمَا قَبْلَ الدَّعْوَى) مِنْ مَالِك الْمَسْرُوقِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي وَقْتِ السَّرِقَةِ أَوْ مَكَانِهَا أَوْ فِي الْمَسْرُوقِ؛ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ سَرَقَ ثَوْرًا أَوْ ثَوْبًا أَبْيَضَ أَوْ هُرُوبًا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ مِنْ الْبَيْتِ أَوْ بَقَرَةً أَوْ حِمَارًا أَوْ ثَوْبًا أَسْوَدَ أَوْ مَرْوِيًّا؛ لَمْ يُقْطَعُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورِيَّةِ وَالْأُنُوثِيَّةِ، (أَوْ بِإِقْرَارِ) السَّارِقِ (مَرَّتَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا، فَاعْتُبِرَ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ فِيهِ كَالزِّنَا، أَوْ يُقَالُ إنَّ الْإِقْرَارَ أَحَدُ حُجَّتَيْ الْقَطْعِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّكْرَارُ كَالشَّهَادَةِ، وَقَدْ رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مَرَّتَيْنِ، حَكَاهَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ مِنْهَا، وَاحْتَجَّ بِهِ (وَيَضَعُهَا)؛ أَيْ: السَّرِقَةَ السَّارِقُ (فِي كُلِّ مَرَّةٍ) لِاحْتِمَالِ ظَنِّهِ وُجُوبَ الْقَطْعِ عَلَيْهِ مَعَ فَقْدِ بَعْضِ شُرُوطِهِ (وَلَا يَرْجِعُ) عَنْ إقْرَارِهِ (حَتَّى يُقْطَعَ) فَإِنْ رَجَعَ؛ تُرِكَ (وَلَا بَأْسَ بِتَلْقِينِهِ)؛ أَيْ: السَّارِقِ (الْإِنْكَارَ) لِحَدِيثِ ابْنِ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ فَقَالَ: مَا أَخَالُكَ سَرَقْت قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ قَالَ بَلَى: فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. الشَّرْطُ (الثَّامِنُ مُطَالَبَةُ مَسْرُوقٍ مِنْهُ بِمَالِهِ هُوَ أَوْ) مُطَالَبَةُ (وَكِيلِهِ أَوْ) مُطَالَبَةُ (وَلِيِّهِ) إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَظِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يُبَاحُ بِالْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ، فَيُحْتَمَلُ إبَاحَةُ مَالِكِهِ إيَّاهُ وَإِذْنُهُ لَهُ فِي دُخُولِ حِرْزِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْقِطُ الْقَطْعَ، فَإِذَا طَالَبَ رَبُّ الْمَالِ زَالَ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَانْتَفَتْ الشُّبْهَةُ. وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُمْ (جَمَاعَةً) فَلَا بُدَّ أَنْ يُطَالِبَ (كُلُّهُمْ) بِالسَّرِقَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ كَأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا. (فَلَوْ أَقَرَّ) شَخْصٌ بِسَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ أَوْ قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ (اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ وَدَعْوَاهُ) أَيْ الْغَائِبِ (وَمُطَالَبَتِهِ) لِلسَّارِقِ؛ لِتَكْمُلَ شُرُوطُ الْقَطْعِ، وَلَكِنْ لَا يُخْلَى سَبِيلُهُ (فَيُحْبَسُ السَّارِقُ) إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ وَطَلَبِهِ أَوْ تَرْكِهِ (وَتُعَادُ) شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَهَا عَلَيْهَا شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا (وَإِنْ كَذَّبَ مُدَّعٍ نَفْسَهُ) فِي شَيْءٍ مِمَّا يُوجِبُ الْقَطْعَ (سَقَطَ الْقَطْعُ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَلَا بُدَّ فِي السَّارِقِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ شُبْهَةٌ فِي جَوَازِ السَّرِقَةِ، فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْقَذْفِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ جَحَدَ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ أَقَرَّ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ إقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ؛ لَزِمَهُ غَرَامَةُ الْمَسْرُوقِ، وَلَا قَطْعَ، وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ وَقَدْ قُطِعَ بَعْضُ الْمَفْصِلِ لَمْ يُتَمِّمْ إنْ كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، لِكَوْنِهِ قَطَعَ الْأَقَلَّ، وَإِنْ قُطِعَ لِأَكْثَرَ فَالْمَقْطُوعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَهُ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعْلِيقِ كَفِّهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَا يَلْزَمُ الْقَاطِعَ قَطْعُهُ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ تَدَاوٍ وَلَيْسَ بِحَدٍّ. وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا، فَطَالَبَ، وَلَمْ يُطَالِبْ الْآخَرُ، لَمْ يُقْطَعْ، فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ شَخْصٍ شَيْئًا يَبْلُغُ نِصَابًا، فَقَالَ الشَّخْصُ قَدْ فَقَدْتُهُ مِنْ مَالِي، فَيَنْغِي أَنْ يُقْطَعَ.